رأينا في تعريف معجم روبير للعلمانية أنها الفصل بين الدولة والكنيسة، أي بين الديني والدنيوي ليس إلا. بريطانيا دولة علمانية تماماً كفرنسا، لكن ملكة بريطانيا تحمل لقب "حامية حمي الكنيسة" وبإمكان المملكة المغربية أن تكون علمانية ويحمل ملكها، لقب "أمير المؤمنين" ، وبإمكان تونس أن تكون علمانية ويحمل رئيسها "حامي حمي الإسلام". يجب أن يكون المرء جاهلاً بتعريف العلمانية في المعاجم الأوربية، لأن أوربا هي أرض ميلاد العلمانية، أو سيء النية ، ككثير من قادة الإسلام السياسي، ليقول أن العلمانية ضد الدين. خاصة وأن العلمانية اليوم في البلدان العلمانية الصافية، كفرنسا، باتت علمانية منفتحة على كثير من الجوانب التي لا تضير في شيء المواطنة الحديثة ، التي تفترض المساواة بين الرجل والمرأة والمؤمن وغير المؤمن في حقوق المواطنة وواجباتها كافة. حياد الدولة العلمانية الفرنسية إزاء الدين لم يمنعها من أن تبني،من مال دافعي الضرائب سنة 1921، جامع باريس الشهير تكريماً لذكري الجنود المسلمين المغاربيين الذين سقطوا في معارك الحرب العالمية الأولي دفاعاً عن فرنسا، ولم تمنع اليوم وزير الداخلية الفرنسي، فيليب دوفلبان، المسؤول عن الشئون الدينية، من تكوين مؤسسة إسلامية خيرية لجمع التبرعات من المحسنيين لبناء المساجد والانفاق على الجامعة والمعاهد الإسلامية التي هي برسم الإنشاء. وقد تلقت هذه المؤسسة بمجرد إنشائها 800 مليون يورو من متبرعين لم يكشفوا عن هويتهم. أما الدولة العربية العلمانية القادمة فإن علمانيتها لن تمنعها من مساعدة ديانات جميع مواطنيها على قدم المساواة. وهذه العلمانية هي التي ستسود مع الوقت أرض الإسلام. على غرار تركيا العلمانية التي يوصيها دستورها ببناء دور العبادة لمواطنيها على اختلاف دياناتهم. فأي مانع من احتضان الدولة العلمانية للتعليم الديني شرط أن تسهر على جعله تعليماً دينياً إصلاحياً حديثاً يكون مواطني الغد الذين يعرفون المواطنة الحديثة، التي لا تميز بين الرجل والمرأة وبين المسلم وغير المسلم في حقوق المواطنة، ويعترفون بها دون تردد أو شعور بالذنب. ولكي يكون التعليم الديني إصلاحياً وحديثاً يجب أن يدرس التلاميذ والطلبة الدين بمساعدة علوم الحداثة: تاريخ الأديان المقارن، سسيولوجيا الأديان، علم النفس، اللأنثروبولوجيا الدينية، الألسنية، الهرمينوطيقا (علم تأويل النصوص المقدسة)، والفلسفة، لتنمية الفكر النقدي لدي الأجيال الطالعة. في تونس يدرس طلبة الجامعة الزيتونية الدينية الفلسفة الإسلامية والفلسفة الحديثة طوال السنوات الأربع. ويدرس طلبة كليات العلوم بما فيها الطب الفلسفة الحديثة طوال مدة الدراسة الجامعية. فلا شيء كالفلسفة والعلوم الإنسانية لتحصين العقول ضد دعاية الإسلاميين الدينية - السياسية. مثل هذا التعليم الديني الإصلاحي والحديث ليس مستحباً من الدولة العلمانية في الفضاء العربي والإسلامي بل هو فرض وواجب عليها لإعادة صياغة الوعي الإسلامي التقليدي وتحصين وعي الأجيال الطالعة ضد التزمت، والتعصب والإرهاب والتمييز الديني، أي النرجسية الدينية التي تأمر باضطهاد دين لباقي الديانات بل ونسخها .
العاشق الحيران