قرة العينين في صلاح الوالدين
قال سعيد بن منصور: حدثنا حزم، قال: سمعت الحسن ـ وسأله كثير بن زياد عن قوله تعالى: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان: من الآية 74] فقال: يا أبا سعيد: ما هذه القرة الأعين أفي الدنيا أم في الآخرة؟ قال: لا بل والله في الدنيا، قال وما هي؟ قال: هي ـ والله ـ أن يريِِِِِِ الله العبد من زوجته، من أخيه، من حميمه طاعة الله، لا والله ما من شيء أحب إلى المرء المسلم من أن يرى ولدا، أو والدا، أو حميما، أو أخا مطيعا لله عز وجل. [تفسير الطبري].
فهؤلاء الآباء الصالحون بلغ من همتهم، و علو مرتبتهم أن دعوا لأزواجهم وذرياتهم بأن يكونوا قرة للعين في صلاحهم وهذا الدعاء يعود بالنفع على عموم المسلمين وليس الآباء فحسب لأنّ صلاح الأزواج والذرية يكون سببا في صلاح أحوال كثير ممن يتعلق بهم، وينتفع بهم.
انظروا إلى الأب الصالح الذي حفظ الله له ابنيه بسبب صلاحه، فكان أن قام الخضر الذي ذكرت قصته في سورة الكهف بإعادة بناء الجدار جديدا بعد أن تهيأ للسقوط، لأنّ تحت هذا الجدار كنز لليتيمين سيأخذانه عندما يبلغان فحفظ الله الكنز بصلاح الوالد قال تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} [سورة الكهف: من الآية 82]، فحفظ الله العبد الصالح في نفسه وذريته.
والغلام الذي قتله الخضر إذ قدر الله عليه أنّه لو بلغ لأرهق أبويه الصالحين، وحملهما على الطغيان والكفر؛ فقتله الخضر سلامة لدين والديه المؤمنين؛ وهذا الأمر وإن كان فيه إساءة إليهما، وقطع لذريتهما فإنّ الله تعالى سيعطيهما من الذرية، ما هو خير منه؛ فصلاح الوالدين جرّ على الذرية الحفظ من الله، كما أنّ صلاح الأبوين يؤدي إلى صلاح الأبناء فمن أراد أن يكون أولاده صالحين فليكن صالحا في نفسه وليختر لأبنائه أماً صالحة حتى إن تركهم لم يخش عليهم، بحيث يدعون له بعد موته وإن تركوه بموت أحدهم كان له الأجر على صبره واحتسابه قال تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} [سورة النساء: 9] فيه أمر من الله بمن ترك خلفه ذرية ضعافاً أن يلزمهم التقوى، وأن يعاملهم بالتقوى، وأن يعامل من هم تحت ولايته من غير أبنائه بذلك حتى يعامََل أبناؤه بنفس المعاملة التي عامل هو بها أبناء غيره.