الفشل المبكر في عمل المبيضين هاجس يقلق كثيرا من النساء، خاصة أن هذين العضوين الأنثويين يؤديان مهام أنثوية عزيزة على المرأة ويؤثران على مستوى النشاط الأنثوي في جسمها، وأيضا يمسان بشكل قوي جوانب الخصوبة لدى المرأة.
والمصادر الطبية حينما تتناول قضية إصابة المبيضين بالفشل، فإنها تضع تعريفا دقيقا له.
وتعني حالة «الفشل المبكر للمبيضين» Premature ovarian failure فقدان المبيضين أداء الوظيفة الطبيعية لهما، وذلك فيما قبل بلوغ المرأة عمر 40 سنة.
وحينما يحصل هذا الفشل الوظيفي، لا يقوى المبيضان على إنتاج البويضات، اللازمة للحمل، ولا ينتجان الكميات اللازمة من هرمونات الأنوثة، وخاصة هرمون استروجين estrogen.
وهو ما يعني احتمالات حصول العقم وعدم القدرة على الإنجاب، إضافة إلى عدد من الاضطرابات الأنثوية البدنية والنفسية.
اليأس المبكر
ويعتقد البعض أن «الفشل المبكر للمبيضين» عبارة مرادفة لحالة «البلوغ المبكر لسن اليأس» من المحيض premature menopause.
إلا أن هاتين الحالتين من الاضطرابات الأنثوية ليستا نفس الشيء. وفي حالات «البلوغ المبكر لسن اليأس» تتوقف الدورة الشهرية، بينما في حالات «الفشل المبكر للمبيضين» قد تحصل للمرأة دورات شهرية متقطعة ومتشتتة، قد يصيب خلال واحدة منها نجاح محاولة الحمل.
ولكن حينما تتسبب حالة «الفشل المبكر للمبيضين» بالعقم وعدم القدرة على الحمل، فإن استخدام المرأة لوسائل تسهيل الحمل قد لا يجدى.
والمهم قد لا يكون حينها شأن الحمل والإنجاب، بل إعطاء المرأة كمية من هرمون استروجين لتعويض النقص فيه، وبالتالي منع حصول حالة هشاشة وتخلخل بنية وتراكيب نسيج العظم osteoporosis، ووقايتها من حالات الكسور.
إضافة إلى ضرورة التعامل الطبي لمعالجة حالات الاكتئاب والقلق المصاحبة لهذه الحالات.
إذن لماذا يحصل الربط الطبي فيما بين «الفشل المبكر للمبيضين» و«البلوغ المبكر لسن اليأس»؟
يحصل الربط في التفكير بين هاتين الحالتين المختلفتين عند مراجعة الأعراض التي تشكو منها المرأة خلال أي منهما.
نظرا لأن ثمة نوعا من التشابه في بعض الأعراض للحالتين.
وسبب تشابه أعراض الحالتين المختلفتين هو تدني إفراز وإنتاج هرمون استروجين الأنثوي في كلتا الحالتين.
وفي حالة «الفشل المبكر للمبيضين»، قد تظهر الأعراض التالية:
ـ قد تشكو المرأة من عدم انتظام تكرار حصول الدورة الشهرية، أو عدم حصول بعض الدورات في أوقاتها المتوقعة، مما يعني أن هناك أوقاتا لا يخرج فيها دم الحيض للدورة الشهرية amenorrhea.
ـ حصول الهبات الساخنة Hot flashes وزيادة إفراز العرق الليلي.
ـ حصول جفاف في المهبل، أي بخلاف الحالة الطبيعية لرطوبته.
ـ تدني قدرات التركيز الذهني، وسهولة الوقوع في سرعة الغضب والتوتر.
ـ تدني الرغبة في ممارسة العملية الجنسية.
قصة نشوء الجنين
كيف نشأنا كأجنة: هنا قصة محبوكة تحتاج إلى متابعة لمراحل حصول الأحداث في فصولها. والقصة من الأهمية بمكان لمن أراد أن يفهم كيف ينشأ الإنسان الجنين من تلاقي بويضة الأم مع الحيوانات المنوية للأب.
وتبدأ القصة من نقطة أن في حوض كل امرأة مبيضان، واحد على الجانب الأيمن، والآخر على الجانب الأيسر.
وكل مبيض يحتوي على الآلاف من الجريبات، جمع جريب، أو الأكياس الصغيرة، التي هي غير ناضجة immature follicles بالأصل، والتي تحتوي في داخلها على بويضات eggs بدائية في نموها وحجمها.
وفي بداية كل دورة شهرية، تقوم الغدة النخامية، المتدلية من كتلة الدماغ نفسه والمستقرة في تجويف عظمي في قاع الجمجمة، بإنتاج وإفراز مجموعة من الهرمونات التي تقوم بتنظيم العديد من العمليات الحيوية في الجسم.
ويدعى أحد هذه الهرمونات «هرمون تنشيط الجريب المبيضي» follicle ـ stimulating hormone (FSH).
ويقوم هذا الهرمون بإثارة وحث عدد قليل من الجراب التي في المبيضين كي تبدأ بعملية تنشيط نمو ونضج مجموعة من البويضات.
وفعليا ينجح جراب واحد عادة في بلوغ مرحلة النضج التام. وهذا الجراب الناضج يقوم بإنتاج كميات من هرمون استروجين.
وهذا الارتفاع في نسبة هرمون استروجين بالجسم، هو عبارة عن رسالة موجهة إلى الغدة النخامية كي تنبهها إلى أن المبيض لا يحتاج إلى مزيد من «هرمون تنشيط الجريب المبيضي»، أي كي تتوقف الغدة النخامية عن إنتاج وإفراز هذا الهرمون في هذه الفترة.
وحينها تبدأ الغدة النخامية بتوفير هرمون آخر، يدعى بالترجمة العربية «هرمون الملوتين» (luteinizing hormone (LH.
وهو ضروري لمرحلة تحرير وخروج البويضة الناضجة من داخل الجريب الناضج.
وعندما ينشط هذا الهرمون في عمله، يتفتح الجريب، وتخرج البويضة. أي تحصل عملية الإباضة ovulation.
ثم تتحرك البويضة لتدخل إلى قناة فالوب fallopian tube، حيث ترتفع احتمالات ملاقاتها للحيوانات المنوية القادمة من المهبل إلى الرحم عبر مضيق عنق الرحم.
ومن ثم تحصل عملية التلقيح لتبدأ بعدها عملية رحلة البويضة الملقحة للدخول إلى باطن تجويف الرحم، ثم الالتصاق بجداره، والاستمرار بعملية نمو الجنين إلى حين الولادة.
أسباب فشل المبيض
وإذا حصل ولم ينضج أي من الجريبات بشكل تام، فإنه لن يتم إفراز هرمون استروجين بكميات كافية لإسكات الغدة النخامية عن إنتاج وإفراز «هرمون تنشيط الجريب المبيضي»، وبالتالي يستمر الارتفاع في نسبة هذا الهرمون النخامي. وهذا سبب ارتفاع نسبة هذا الهرمون لدى المصابات بحالة «الفشل المبكر للمبيضين».
وإذا لم تزدد نسبة هرمون استروجين لن تتنبه الغدة النخامية إلى ضرورة البدء بإفراز هرمون الملوتين المحرر للبويضة.
وبالمراجعة، فإن فشل المبيضين يحصل حينما لا يوجد في المبيض أي جريب قادر على التفاعل مع توفر هرمون الغدة النخامية المنشط لنموه، أي شح و«نفاد الجريبات» follicle depletion.
أو حينما لا تتفاعل بشكل سليم الجريبات الموجودة في المبيض، أي وجود اضطراب و«اختلال وظيفة الجريبات» follicle dysfunction.
و«نفاد الجريبات» المؤدي إلى «الفشل المبكر للمبيضين» قد ينتج عن:
ـ «خلل كروموسومي»، وهناك عدة اضطرابات للصبغات الوراثية التي أحد أعراضها حصول «الفشل المبكر للمبيضين».
ـ التعرض لمواد كيميائية سامة. ويعتبر التعرض لأنواع من العلاج الكيميائي لأنواع من السرطان، أو التعرض للعلاج بالأشعة لحالات السرطان، من أهم أسباب إصابة المرأة بـ«الفشل المبكر للمبيضين»، كما قد يؤدي لننفس الشيء التعرض لدخان السجائر أو المبيدات الحشرية أو بعض أنواع الفيروسات.
و«اختلال وظيفة الجريبات» قد ينجم عن تلف أصاب الجريبات بفعل أحد تفاعلات جهاز مناعة الجسم بطريقة الخطأ، أي توجه جهاز مناعة الجسم نحو محاربة أنسجة المبيض باعتبارها في نظره الخاطئ، جسما غريبا.
وفي كثير من الأحيان، لا يتوصل الطبيب إلى تحديد السبب وراء ظهور هذه المشكلة في الفشل المبكر للمبيضين.
ولكن يلاحظ طبيا أن احتمالات الإصابة بهذا النوع من الفشل ترتفع كلما زاد عمر المرأة.
وتحديدا تقول نشرات أطباء «مايوكلينك» أنه: في عمر 35 سنة، تصاب امرأة من بين كل 250 امرأة، وفي عمر 40 سنة تصاب امرأة من بين كل مائة امرأة بهذا المرض. كما أن وجود تاريخ عائلي لإصابة إحدى القريبات في النسب، يرفع احتمالات الإصابة.
وتحديدا يقول هؤلاء الباحثون إن 10% من الحالات هي لدى نساء لديهن تاريخ عائلي لنفس المشكلة.