B كيف نواجه مشكلات طلاب الثانوية؟
شباب قرآني
الثانوية فترة حرجة من مراحل التعليم، ولا شك أن للقدوة والصحبة أكبر الأثر في تهذيب الطلاب، كما أن التدليل المفرَط والشدة الزائدة هي إفساد لا إصلاح، ومن هنا تعتبر المرحلة الثانوية من المراحل الدراسية المهمة، حيث يقطف الطلاب فيها ثمرة جهودهم التي بذلوها في المرحلة الابتدائية والإعدادية.
والطالب في هذه المرحلة يمر بفترة حرجة من مراحل النمو؛ وهي مرحلة المراهقة المتوسطة من سن 16- 18؛ حيث تظهر فيها العديد من المشاكل والميول والاتجاهات والرغبات والشهوات والحاجات، فإذا لم يتم فيها توجيههم من قِبَل الآباء والمعلمين توجيهًا سليمًا في ظل إطار شرعي وتربوي مَرِنٍ، بعيدًا عن التهاون والتساهل والتخلِّي عن المبادئ والمُثُل والقيم، وبعيدًا عن التصرفات العصبية الرعناء، فإن الشباب في هذه المرحلة يضيعون في لُجج الفتن ومزالق الرذيلة؛ وهو ما يؤدي بهم إلى الانحطاط والفشل وعدم القدرة على مواجهة متطلبات الحياة.
وإن المتأمل لواقع طلاب المرحلة الثانوية يجد أن لديهم العديد من التصرفات والسلوكيات السيئة أوقعتهم في الكثير من المشاكل؛ كالتهاون في الصلاة، أو حتى تركها، وعقوق الوالدين، وتعاطي المخدرات والتدخين، والمعاكسة في الأسواق، والكذب، والسب والشتم، والسرعة الجنونية والميوعة، ومحاكاة الغرب في قصات الشعر وفي ملابسهم وفي حركاتهم، والتشبه بالنساء، وممارسة الرذيلة، والسرقة، والتمرد على أنظمة المدرسة، والهروب منها، والعبث بممتلكاتها، والاعتداء على الآخرين، والغش في الاختبارات، وإظهار السلوك العدواني والعناد أمام المعلمين وعدم احترامهم، وغير ذلك من التصرفات السيئة التي يشمئز منها كل إنسان غيور على دينه وقيمه وعاداته، وحريص على مصلحة هؤلاء الشباب الذين يعتبرون المورد البشري المهم في بناء الوطن.
النتائج والأسباب:
ومن أبرز النتائج السلبية التي تَنتُج عن ظهور مثل هذه السلوكيات السيئة هي:
1- التأثير على سلوكيات الطلاب الآخرين؛ حيث تنتقل العدوى من طالب سيئ إلى طالب يتصف بالسلوكيات الحسنة، خصوصًا عند غياب النصح والتوجيه.
2- ضعف التحصيل الدراسي عند بعض الطلاب.
3- التأثير السلبي على عطاء المعلم؛ بسبب ظهور مثل هذه السلوكيات.
4- إعطاء صورة غير حضارية في المجتمع الذي تكثر فيه هذه السلوكيات.
5- الهدر الاقتصادي الناتج عن العبث بالممتلكات.
6- ظهور البطالة في المجتمع الذي تظهر فيه مثل هذه السلوكيات.
أما أبرز الأسباب التي أدت إلى وقوع الشباب في مثل هذه المشاكل:
1- ضعف الوازع الديني والجهل بأحكام الشريعة.
2- غياب القدوة الحسنة؛ سواء من أولياء الأمور، أو من المعلِّمين.
3- التفكُّك الأسري والانشغال بمباهج الحياة أدى إلى تخلي الأبوين عن دورهما الأساسي في التربية، وإسداء النصح والتوجيه لأبنائهم في هذه المرحلة الحساسة.
4- التدليل المفرط والشدة الزائدة تؤديان إلى وقوع الشباب في مثل هذه المشاكل؛ حيث يجب على كل أب أن يتعامل مع أبنائه في هذه المرحلة تعاملاً أخويًّا دون أن يترك الحبل على الغارب، وتركهم يفعلون ما يشاءون دون عقاب أو توجيه، ولا يقوم في الوقت نفسه بالتضييق والتشديد عليهم ومحاسبتهم على كل شاردة وواردة.
5- مشاهدة أفلام الجريمة والجنس والقنوات الفضائية المسعورة والمجلات الهابطة.
6- الاستخدام السلبي للإنترنت.
7- مصاحبة رفقاء السوء.
8- بعض المعلمين لهم سلوكيات سيئة وتصرفات غير لائقة، يُظهرها أمام الطلاب؛ وهو ما يؤثر سلبًا عليهم، والبعض الآخر من المعلمين تقع عينه على بعض هذه السلوكيات المنحرفة، ولا يقوم بالتوجيه والنصح والإرشاد؛ همُّه الأول فقط هو تدريس مادته العلمية للطلاب، وإنهاؤها في الوقت المحدد.
سبل العلاج:
- وحتى يمكننا أن نحدَّ من هذه المشاكل، لابد أن نضع العلاج المناسب لها، وذلك على النحو التالي:
1- دعاء الوالدين بصلاح الذرية؛ حيث يقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ (الفرقان:74)، فالدعاء ذو أثر عجيب إذا أُخذ بأركانه وأسبابه؛ من تمجيد لله، وثناء على النبي- صلى الله عليه وسلم- والدعاء في الأوقات المستجابة؛ كالسحَر، ونزول المطر، وفي السجود، وأدبار الصلوات، مع الأخذ بالأسباب.
2- على المعلم أن يبذل ما في وسعه من النصح والتوجيه؛ حيث إن دوره لا يقتصر فقط على توصيل المعلومات للطلاب فقط؛ وإنما يتعدى دوره إلى أهم من ذلك، فدوره في المدرسة كدور الأب في المنزل يربي وينصح ويوجه.
وإذا قارنا بين عدد الساعات التي يعيشها الطالب مع معلمه في المدرسة- فإنها قد تصل إلى خمس أو ست ساعات يوميًّا- لوجدنا أنها أكثر من عدد الساعات التي يعيشها مع والديه.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن المعلم يرى من الأحوال والتصرفات التي تصدر من الطالب ما قد يخفى على والديه؛ لذا يجب عليه أن يقوم بإصلاح المعوجِّ، وتهذيب الأخلاق، وتصحيح الأفكار بأسلوب المشفق الناصح، وأن تكون النصيحة المقدمة للطالب سرًّا إن كانت خاصةً بفرد معين؛ لأن ذلك أبلغُ في قبول النصيحة وأسرع للاستجابة، أما إن كانت علانية فهو توبيخ في قالب نُصح لا تقبله النفس.
3- بناءُ الثقة وجسور المحبة عند الطالب في هذه المرحلة من قِبَل أولياء الأمور والمعلمين؛ وذلك بالكلمات الطيبة ذات الأثر الوجداني، والبُعد عن السخرية والاستهزاء والتقريع والتأنيب، وتعزيز السلوكيات الطيبة التي تظهر منه بالتشجيع المستمر.
4- إعطاء الطالب في هذه المرحلة الفرصة للحديث وإبداء الرأي، والاستماع والإنصات له باهتمام، مع مراعاة البعد عن الفوقية والتسلط عند الحديث معه، وأن يكون توضيح ما يبدر منه من خطأ أثناء ذلك بأسلوب مقنع؛ فالإقناع فنٌّ لا يجيده إلا قلة من الناس، فإذا تمكن المحاور- سواء المعلم أو الأب- من إقناع الشاب بخطئه، فقد أجاد وأفاد ووصل إلى الهدف المراد.
ولنا في رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أسوةٌ حسنةٌ عندما جاءَه شابٌّ يرغب في الزنى، ويستأذنه في ذلك؛ فماذا قال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم؟ هل قال له: يا فاسق، أو يا منافق، أو كذا أو كذا؟! لا، بل رد عليه- صلى الله عليه وسلم- ردًّا مقنعًا هادئًا، قائلاً له: "يا هذا، أتحبه لأمك؟ أتحبه لأختك؟ أتحبه لعمتك؟"، فكانت إجابة الشاب في كل مرة بالنفي، وخرج من عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبغض شيء إلى قلبه هو الزنى.
5- أن يُوْلي كلُّ مَن ولي الأمر والمُعلِّمُ العنايةَ والاهتمامَ بتعميق الجانب العقدي في نفس الطالب؛ لأن ذلك من أهم الأسس في استمرار المؤمن على مراقبة الله، واستشعار عظمته وخشيته في كل الظروف والأحوال، وهذا مما يقوي القوة النفسية والإرادة الذاتية لدى الفرد المؤمن، فلا يكون عبدًا لشهواته، ولا أسيرًا لأطماعه، فإذا قَوِي هذا الجانب فإن الفرد ينصلح من داخله؛ لأنه يعتقد أن عين الله الساهرة ترقُبه وتراه وتعلم سره ونجواه.
6- يجب على كل من الأب والمعلم الالتزام بمبادئ الدين الإسلامي الحنيف والخلق الإسلامي القويم، وأن يمثلوا القدوة الحسنة لهؤلاء الشباب؛ حيث يعتبر ذلك مؤثرًا إيجابيًّا قويًّا في معالجة مشاكلهم؛ فالفرد لا يقبل النصح ولا الإرشاد، ولا تتولد لديه أي قناعة من إنسان سلوكياته سيئة، وتصرفاته غير لائقة ومخالِفَةٌ لشرع الله -عز وجل- فالتربية بالقدوة الحسنة من أهمِّ الوسائل الناجحة في معالجة العديد من المشاكل التي يعاني منها الشباب.
7- إشغال وقت فراغ الشباب بما ينفعهم ويفيدهم، يقول الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجِدة مَفسدةٌ للمرء أيُّ مفسدة
لذلك يجب على المدرسة العناية بتفعيل الأنشطة المدرسية، وتوجيه الطلاب نحو القيام ببعض الأعمال المهنية؛ لتنمية حب العمل لديهم، وكذلك يجب على كل معلم- من خلال مادته- تنمية حب القراءة والاطلاع لطلابه، ويجب على الأب توفير مكتبة منزلية مقروءة ومسموعة ومرئية، يتم اختيار مادتها بعناية، ومحاولة إشراك ابنه في الفترة المسائية، وفي الإجازات الصيفية بالدورات المتنوعة في الحاسب الآلي والكهرباء وغيرها، والحرص على توجيهِهِ لحفظ القرآن والأحاديث النبوية وآثار السلف الصالح.
8- أن تركز المناهج الدراسية- بمختلف التخصصات- بصورة أكثر على توضيح المخاطر السيئة التي تلحَق بالشباب؛ نتيجة انحرافاتهم السلوكية، وتقديم وسائل العلاج المناسبة.