"يا بني، لو أعلم أنَّ الماء البارد ينقص من مروءتي ما شربت إلا ماء حاراً "
بهذه الكلمات كان الشافعي - رحمه الله - يوصي أحد تلاميذه.. فقد اهتدى الإنسان الجاهلي بفطرته
التي فطره الله عليها إلى كثير من الأخلاق الحميدة، التي أعلن النبي -
صلى الله عليه وسلم - أنَّ الإسلام جاء متمماً لما نقص منها
أو شوهته العقائد الفاسدة في قوله: " إنَّما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق".
وممَّا لا شك فيه أنَّ المدنية المعاصرة والانفتاح الحضاري قد أدى إلى إقصاء الكثير
من الأمور الحسنة والسلوكيات الجميلة، والتي كانت تزين المجتمع المسلم إلى وقت قريب..
ضرب من الأخلاق الحميدة التي عرفها الجاهليون، فتأبى نفوسهم الكثير ممَّا قد
ينقص منها، فبها كان الجاهلي يغض طرفه عن نساء الغير،
من قبل أن ينتشر نور الإسلام في البسيطة، فهذا عنترة يقول:
وأغضُّ طرفي إن بدت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مثواها
وبما يمتنع عن مماراة السفهاء وظلم الضعيف، بل وشرب الخمر التي كان البعض منهم
يعدها كرامة ورجولة، وإذا كان هذا شأن الجاهلي الذي لا يرجو ثواباً ولا يخاف عقاباً،
فكيف الشأن بمسلم يعلم أنَّ أثقل شيء في الميزان حسن الخلق؟
وقد كان السلف يعدون المروءة شرطاً في العدالة المطلوبة لحمل الحديث وقبول الرواية..
وهي ممَّا يمكن أن نسميه اليوم باحترام الذوق العام والعادات الاجتماعية التي لا تتنافى
مع شرع الله، والبعد عن كل مستهجن للطباع السليمة وإن لم يكن محرَّماً.
وهذا وإن كان أمراً يختلف باختلاف الزمان والمكان؛ إلا أنه يبقى منه قدر لا جدال فيه
ولا تنازل عنه، قد أجمعت عليه العقول السليمة والفطر المستقيمة، وهو ما أعنيه في حديثي هذا،
ونرى مسقطاته، تزداد بتعاقب الأيام، ولست أدري كم من التصرفات
الشائعة اليوم يمكن أن يصنف في مسقطات المروءة
إنَّ كثيراً من النكات السمجة والطرائف المتداولة تأباها المروءة ويمجها الذوق السليم،
وإن كانت حقاً لا كذب فيه، وأقل ما فيها أنَّها من سقط الكلام الذي يذهب المروءة،
كما قال عمر رضي الله عنه: "من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قلَّت مروءته".
واليوم تمتلئ الهواتف النقالة ومواقع الشبكة العالمية والسلوكيات اليومية المشاهدة
بما تئن منه المروءة ويندي له جبينها، فهل يكون الجاهلي من ذوي المروءات
أسلم ذوقاً وأوفر مروءة من بعض مسلمي اليوم؟
لننأى بأنفسنا عمَّا لا يليق بمسلم تنتظر منه الأمة الكثير والكثير.
لا حول ولا قوه الا بالله