وبينما بدأت الأنباء تتوافر لدينا من أن خطط النظام تتواصل للإستعداد لانتخابات رئاسية مبكرة قد تكون أقرب مما يتخيل البعض يسعى النظام فيها لتمرير انتقال السلطة إلى نجل الطاغية الذي يستعد لوراثته.
ومن هنا ينشطون الآن لعقد الصفقات مع من يسهل شرائهم، وممارسة رذيلة الإرهاب ضد كل من يستعصي عليهم شرائه، ولم تكن مصادفة أنه في الوقت الذي كان يجري فيه إبرام الصفقات مع بعض الأحزاب لحصار الإخوان، وللهجوم على البرادعي لرفع الحرج عن نظام الطاغية، تزامن ذلك مع حملات اعتقال واسعة استهدفت الإخوان، وفي نفس الوقت قام بلطجية الحزب الوطني بفض أول اجتماع دعت له الجمعية الوطنية للتغيير قبل عشرة أيام في مدينة سنورس في محافظة الفيوم بعد أن هاجموه واعتدوا على المشاركين فيه، ولم يكن من قبيل المصادفة أيضا ما حدث للدكتور طه عبدالتواب في الفيوم الذي جرى تعذيبه وتجريده من ثيابه لإرهابه وإرسال رسالة إرهاب موجهة لأنصار التغيير الذين التفوا حول برنامج الدكتور البرادعي، وهي أعمال مجتمعة تعطي صورة واضحة لنظام بوليسي طاغي لم يؤمن يوما بحق هذا الشعب في الحرية، ويقود مصر بتاريخها وبشعبها الكبير وكأنها إقطاعية وتكية لهم يفعلون فيها ما أرادوا.
ومن هنا فالصفقة التي فضحها اليوم د. عمار علي حسن في صحيفة المصري اليوم بين النظام وحزب الوفد الذي سيحصل بمقتضاها الوفد على 23 مقعدا في مجلس الشعب في مقابل تحييد الإخوان ورفض البرادعي، وهي الصفقة التي لم تصدمنا لأننا ندرك إلى أي مدى تردت هذه الحياة السياسية المشوهة التي يرعاها نظام التزوير والفساد على مدار عقود، جعل فيها من العمل السياسي عملا عقيما فاسدا ومجرد مزاحمة للحصول على فتات ما يتم تقسيمه بين طبقة الفساد التي تحكم البلاد، وتحالفات هذه الأحزاب، وقد سبق لحزب الوفد التحالف مع النظام عام 2003 في انتخابات الإعادة في دمنهور التي زورها النظام لإسقاط مرشح الإخوان د. محمد جمال حشمت ليفوز بها الوفدي خيري قلج بانتخابات الإعادة بدائرة دمنهور، وأدى موقف قيادة الوفد يومها من المشاركة في هذا العمل الشائن لانشقاقات ضربت الهيئة العليا للحزب بعد رفض عدد من الشرفاء لهذا المسلك.
ورب ضارة نافعة، فقد بات معلوما بالضرورة أن هذه الأحزاب أصبحت تقضي نهارها في الحديث عن معارضة النظام بينما تبيت آخر الليل في أحضانه وتكيد معه، رهبا ورغبا ، رهبا من مكائد النظام القادر على تفتيت الأحزاب وإثارة النزاعات على القيادة، كما حدث في حزب الوفد نفسه والذي وصلت الخلافات على قيادته بين رئيسه السابق د. نعمان جمعة ورئيسه الحالي د. محمود أباظة شقيق وزير الزراعة،إلى الحد الذي استخدمت فيه الأسلحة النارية واقتحام مقر الحزب وتدبير الحرائق قبل 4 سنوات، وقد دعم الحزب الوطني وصفوت الشريف محمود أباظة الرئيس الحالي ضد نعمان جمعة الرئيس السابق والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية، ويبدو أنه جاء وقت الأداء ورد الجميل.
وباقي هذه الأحزاب تعادي بعضها وترفض قوى التغيير، أكثر من معارضتها النظام نفسه، وكل منهم يسعى لحصته في إمبراطورية الفساد والاستبداد، وليتركوا النظام يتفرغ لمواجهة قوى التغيير العازمة على مقاومة التوريث وفضح الفساد إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
هذه الصفقات المفضوحة تفسر بوضوح طبيعة المواقف العدائية التي واجهت بها هذه الأحزاب قوى وحركات التغيير وآخرهم الدكتور البرادعي والجمعية الوطنية للتغيير، ويشير إلى أن كل مواقف هذه الأحزاب وزعمها أنها في خندق المعارضة ليست سوى دعايات فارغة للتلبيس على الشعب ولكن كل شيء بات مكشوفا الآن أكثر من أي وقت مضى.
ومن هنا فأجدها فرصة لأقول لكل من ينصحون د. محمد البرادعي بالانضمام إلى أحد هذه الأحزاب القائمة لمحاولة تخطي الحواجز الفرعونية الجائرة أمام حرية الترشيح لانتخابات الرئاسة بسبب المادة 76 من الدستور؛ هم في الحقيقة يريدون تدمير رمزية البرادعي وقوة منطقه وبساطة طرحه وقوة برنامجه الصغير والذي يمكن أن يضع مصر على طريق الانتقال من الدولة البوليسية لدولة المؤسسات الدستورية، والانتقال من حكم الفرد وسيادة الفساد إلى حكم الشعب وسيادة القانون.
كل من يريدون الضغط على البرادعي وإخضاعه للعاهات الدستورية التي لفقها مبارك لتمرير التوريث على رقاب الشعب ورغما عن أنف العدالة وتكافؤ الفرص في هذا البلد هؤلاء لا يحبون البرادعي ولا يرجون الخير لمصر، فليس مهما أن يفوز البرادعي ويصبح رئيسا بل المهم هو إعادة الاعتبار لمصر ووضعها على الطريق الصحيح.
مصر مقبلة على انتخابات رئاسية مبكرة هذا العام بإذن الله بحسب ما يرد من معطيات ووفقا لتقديرنا للموقف من مختلف جوانبه، وعلى قوى التغيير في مصر أن يستعدوا لمواجهة معركة توريث مصر، وتحرير إرادتها وتطهيرها من أدران الفساد والاستبداد الذي أفقر شعبها وجوع مواطنيها وجلب لهم الأزمات والفقر والتأخر والتراجع على مختلف الصعد.
ينبغي أن تتجه الجهود الآن لدعم برنامج النقاط السبع الذي طرحته الجمعية الوطنية للتغيير والذي يمثل الأمل لوحدة شعب مصر، وأن يتكتل الجميع لمنع مراكز القوى والاستبداد والفساد التي تريد الاستمرار في الحكم باسم رئيس مريض لم يعد قادرا على ممارسة مهامه وواجباته.
قولوا لهم أن مصر ليست تكية وكما قال أحمد عرابي –رحمه الله- للخديوي توفيق :
لقد خلقنا الله أحرارا ولسنا تراثا أو عقارا ولن نورث بعد اليوم.
----
ولرب نازلة يضيق بها الفتى
ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت ولما استحكمت حلقاتها
فرجت وكنت أظنها لاتفرج
الإمام الشافعي
العاشق الحيران